الكثير من الطلاب والطالبات يتضجرون من الرياضيات ، وهذه حقيقة لا بد وأن نقف عندها قليلاً ، يقولون : إنها مادة جافة ، مجردة ، صعبة الفهم ، وما هذه الرموز ؟ وماذا نستفيد منها ؟
مما لا شك فيه أن الرياضيات هي أم العلوم ، وهي لغة العصر ، ولغة الدقة والاختصار ، ولغة التميز والثقة بالنفس ، ولغة النجاح والرقي .
يقال أن الشخص الذي لا يحب المادة فإنه يخفق فيها حتى وإن كانت هذه المادة سهلة ، ويقال أيضاً أن الطالب الذي لا يحب المعلم فإنه – غالباً – ما يخفق في مادته ، ربما في هذا الرأي من الصواب ما يجعلنا نتأمل قليلاً في معناه ، وخاصة أن هذا القول يصدر من الطلبة أنفسهم - محور العملية التعليمية - وهذا بدون شك يقربنا كثيراً من أسباب المشكلة ويقربنا أيضاً من علاجها ، ولكن كيف ؟
الرياضيات فن وهذا الفن كما الفنون الأخرى له ركائزه ، ومهاراته ، والفنان الذي لا يملك المهارات الأساسية في مجال فنه ، بدون شك فاشل ولا مكان له ، إذاً معلم الرياضيات وحتى يكون ناجحاً باعتقادي لا بد وأن يكون فناناً ، يمتلك المهارات الأساسية لعرض هذا الفن والتألق به في فضاء الصف وخيالات الطلاب .
فالرياضيات من العلوم الهامة والتي لا يمكن لأي فرد أن يستغني عنها ، مهما كانت ثقافته أو عمره ، وهي مقياس التقدم والحضارات عند الأمم ونستذكر هنا المصريين القدماء كيف كانوا يخططون لشق القنوات لتجنب فيضان النيل ، وكيف تميزت حضارة الفراعنة بالأهرامات التي ولليوم تعتبر من العجائب ، وهي – الرياضيات - مهمة للطالب والتاجر والمهندس والطبيب وبائع البسطة والأم والقاضي والعامل والكهربائي والبلاط والخياط وغيرهم ، فالتاجر الأمي يتعامل بسلاسة مع الضرب والقسمة وربما يكون مثقفاً رياضياً في هذا المجال أكثر من أي طالب جامعي ، نجده يضرب أعداداً في كسور ذهنياً ، ويقدر الكتل والأحجام بطلاقة ، والخياط الذي يستخدم أدوات القياس ووحدات القياس المختلفة ، ويستخدم تطابق الأشكال ويحسن توزيع الأبعاد ، وكذلك البلاط الذي يحسب المساحات والكميات ويجيد القياس ، ويبني أشكالاً منتظمة معقدة ، ويعرف بثقة الأشكال التي تصلح للتبليط وتلك التي لا تصلح ، في حين يحتاج المعلم لتطبيق قاعدة وفق معطيات محددة لمعرفة ذلك في وقت أكثر ، والأم التي تجيد عمل كعكة وتستخدم مواد بنسب مختلفة ، أو القاضي الذي يستخدم الرياضيات في توزيع الميراث بنسب ليست سهلة ، والكهرباثي الذي يتعامل مع الأطوال والأشكال والقياسات في رسم لوحة مميزة ورائعة لتوزيع المفاتيح والأضواء بشكل متناسق ، ولا ننسى البنّاء الذي يستخدم مهاراته الرياضية في بناء منزل من عدة طبقات يعجز أي معلم رياضيات حتى بالرسم من تقليده ( واقصد البنّاء الذي ترك المدرسة في الصفوف الأولى ) .
وحتى ننهض بالرياضيات قدماً ونحببها لطلابنا الأعزاء ومن أجل بناء مفاهيمي وتقديمها في سياقات ومدلولات مختلفة لا بد من :
1.الإلمام بالأساسيات العامة في الرياضيات أي تثقيف الطالب بها في البيت والمدرسة كجدول الضرب وحسابات البيع والشراء والكسور وغيرها .
2.تعويد الطلبة على استخدام طرق التفكير العلمي وتنظيم أفكارهم وحل مشكلاتهم بطرق علمية لأن الرياضيات تعزز الجوانب السلوكية الإيجابية في حياتنا ، وأركز هنا على المسائل الكلامية التي وللأسف كثير من طلبتنا الأعزاء يتعاملون فقط مع أرقام المسألة بعيداً عن فهمها أو معرفة المطلوب منها ، ولذلك من الضروري أن نعود الطلبة على قراءة المسألة الكلامية ( التي تمثل مشكلة ) والتعبير عن المسألة ( المشكلة ) بلغته الخاصة ، وإذا توصل الطالب إلى معرفة المطلوب من المسألة فإنه بدون شك سيستخدم العملية اللازمة للحل ويحل المشكلة وهذا يعطيه شعوراً ( بالنصر ) ويعزز ثقته بنفسه .
3.كثير من الطلبة يكره الرياضيات بسبب فكرة مسبقة من الآخرين عن صعوبة المادة ، أو لأن معلم الرياضيات يعامل الطلاب بقسوة ، أؤكد للجميع بأن بناء الثقة بين معلم الرياضيات وطلبته يختصر كثير من الفجوة القائمة ، ويزيل الحواجز بينهم ، لذلك على معلم الرياضيات أن يبادر إلى بناء جسور الثقة والمحبة مع طلبته ليعلمهم العدل والحرية والمساواة من خلال هذه الرياضيات الساحرة .
4.للوسيلة التعليمية دور كبير وجذاب في تقريب الفكرة للطلاب ، وبالفعل الحصة التي أستخدم فيها الوسيلة المناسبة المتقنة الصنع ، يتذكرها الطلبة فترة أطول ، وتترك أثراً في نفوس الطلبة .
5.أشجع معلمي الرياضيات على اصطحاب طلبتهم في رحلات علمية مثل متحف الرياضيات في جامعة القدس ، الذي يُقنع الطلبة بدون أدنى شك في حب الرياضيات ، وكذلك إعطاء حصة الرياضيات في جو غير مألوف للطالب وفي سياق مختلف تماماً دون أن يكون عرضة لامتحان أو مسائلة وبعيداً عن سُلطة المعلم ، في الملعب مثلاً حيث المستطيل والدائرة ونصف الدائرة ، والمحيط والمساحة ، وفي مختبر العلوم لتوضيح مفاهيم اللتر والميللتر ووحدات الكتلة والمساحة ، وفي الميدان حيث يشارك أصدقائه في جمع البيانات من المصنع أو البيت أو المؤسسة ، وفي البستان من خلال استخدام السياق القصصي لأن دمج الموضوعات الرياضية في نصوص قصصية يوفر فضاءً للتعبير وبناء المعاني ، أو على سطح المدرسة لتوضيح مفهوم البعد الثالث ، أو مفهوم الشعاع من خلال استخدام مرآة وغير ذلك .
6.أشجع معلمي الرياضيات وبالتعاون مع طلبتهم في المدرسة على إقامة منتديات للرياضيات أو أندية رياضيات تهدف إلى تشويق الطلبة وجذبهم أكثر لمادة الرياضيات ، من خلال عمل مسابقات أو معارض أو مجلات تخص الرياضيات ، وتكون هذه المنتديات واضحة الأهداف ومن خلالها يتم بناء المفاهيم الرياضية في مناخ ندي بين الطلبة أنفسهم ، وفي جو من العمل الجماعي مختلف كثيراً عن جو الحصة الصفية دون أية حواجز ، وهنا لمدير المدرسة دور كبير وهام في تثمين إنجازات الطلبة والإشادة بها عبر الإذاعة المدرسية وتعزيز أعمالهم مادياً ومعنوياً .
7.معظم الطلبة الفاشلين في الرياضيات – من وجهة نظر معلميهم - نجدهم ينخرطون في رياضيات زخمه خارج الصف من خلال أعمال الصرافة أو البيع والشراء أو استخدام أدوات القياس ، نجد هذا الطالب خارج الصف يقيس جيداً ويقدر المسافات ويحسب الزمن ، ويأخذ عينات ويعمل إحصائيات ، ويحلل بيانات إحصائية في الصحف ومن خلال التلفاز يفسر منحنى درجات الحرارة بشكل ممتاز ، وفي المدرسة نجد الطالب ضحية القوانين والنظم وفصل الرياضيات عن سياقها ، وهو كذلك ضحية حشد المصطلحات والمفاهيم المجردة التي تفتقر إلى الحيوية والحياة حين نحاسبه على عدم استعمالها .
8.لا بد لمعلم الرياضيات من استخدام الحاسوب في عرض بعض المواضيع حسب إمكانات المدرسة مثل برامج - البوربوينت – التي باعتقادي تجذب الطالب أكثر نحو الموضوع ، مما يوفر الوقت والجهد عند المعلم ، مثلاً موضوع المساحات والحجوم يستغرق المعلم وقتاً في رسم أسطوانة – متقنة – أو متوازي مستطيلات وغيره ، في حين عن طريق الحاسوب يستطيع تقديم هذا الموضوع بوساطة شرائح أكثر جاذبية ، وهنا أكرر لو أن المعلم استخدم هذا الأسلوب مرة واحدة أو مرتين خلال العام الدراسي بالتأكيد سيلمس استجابة الطلبة ورغبتهم في التعلم .